تلخيص المحور الأول: وجود الغير
مفهوم الغير
يعتبر الغير من بين المفاهيم الأساسية في الفكر عموما والفلسفي خصوصا، ويطلق
للدلالة على الأنا المتميز والمختلف عن الذات سواء كانت قريبة أو بعيدة فردية أو جماعية.
كما حيل من الناحية الفلسفية على الأنا الذي ليس أنا يشبهني ويختلف عني. فهل وجود الغير ضروري لوجود الذات؟ وهل
يمكن معرفته؟ وما هي طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم معه؟
المحور الأول: وجود الغير
إشكال المحور
هل وجود الغير ضروري لوجود الذات أم أنه يشكل تهديدا لها؟
معالجة الإشكال:
أهم المواقف
موقف "روني ديكارت" - وجود الغير غير ضروري -
ينتقد ديكارت كل المواقف التي ترى بأن الغير ضروري لوجود الذات، فالذات بالنسبة
له قادرة على إدراك وجودها دون وساطة خارجية سواء كانت عاقلة أو غير عاقلة، وذلك
راجع إلى كونها تمتلك ما يكفيها لذلك وهو التفكير، فبما أن الذات تفكر فإن وجودها
يقيني ولا يشوبه أدنى شك، ثم لأن فتح المجال أمام قوة خارجية من شأنه أن يضع التفكير
موضع شك، وبالتالي الشكك في قدرات ومؤهلات الذات. ولعل ذلك ما عبر عنه ديكارت بقوله "
أنا أفكر إذن أنا موجود".
موقف "مارتن هايدغر" - وجود الغير تهديد -
يعتقد "هايدغر" أن الذات في غنى عن الغير، وذلك لأن وجود الغير
مع الذات يهدد وجودها، فالوجود المشترك مع الغير يجعل الذات تحت رحته وقبضته، ثم
إن الغير يسلب الذات حريتها ويفقدها وخصوصيتها وماهيتها وتفردها ويجعلها جزءا من الكل،
إضافة إلى ذلك، فهيمنة وسلطة الغير تتجاوز الحدود الواقعية نحو الهيمنة الخفية،
حيث تشعر الذات بسلطته رغم عدم حضوره الفعلي. إذن وجود الغير غير ضروري لأنه يذيب
الذات ويجعها بدون تفرد ولا تميز.
موقف "هيجل" - وجود الغير ضروري -
يرى "هيجل" أنه لابد من وساطة الغير من لأجل تحقيق اعتراف كامل
بالذات، وذلك لأن انغلاقها على ذاتها يجعل وعيها وعيا سادجا. فالذات ومن أجل تحقيق
اكتمال وعيها في حاجة إلى وجود ذات أخرى، وبما أن تلك الذات هي الأخرى تبحث عن
اكتمال وعيها، فتنشأ بينهما علاقة صراع، تحاول كل ذات من خلاله نفي الذات الأخرى،
وهو ما ينتج عنه انتقال وعي ذات من وعي بسيط إلى وعي مطلق، في حين تبقى الذات
الأخرى محتفظة بوعيها الأول، وهذا ما يطلق عليه "هيجل" جدلية العبد
والسيد".
موقف "سارتر" - وجود الغير ضروري -
يرى "سارتر" أنه بالرغم من النظرة التشيئية المتبادلة بين الأنا
والغير، وما تعانيه الذات من وضعية استلاب وعبودية أمام الغير، وكذلك فقدان حريتها
وتلقائيتها. فإن وجوده شرط ضروري لوجود الذات. ويبين ذلك من خلال مثال "
الخجل" الذي هو حالة شعورية إزاء شيء ما الذي هو الذات. فالخجل ليس ظاهرة
تأملية ذاتية فحسب، بل إنه خجل أمام ذات أخرى أو أنا آخر، مادام هذا الأخير هو
الوسيط الذي لا يمكن للذات أن تحقق وجودها وأن تبقي نفسها في غنى عنه.
استنتاج:
يتبين مما سبق أن هناك مواقف مختلفة بل متضاربة حول إشكال وجود الغير، فالغير وإن كان ضروري لوجود الذات لكونه مساهما في إغنائها، فإنه من ناحية أخرى يهدد وجودها ويقزم حريتها ويفقدها خصوصيتها وبالتالي فهي في غنى عنه، خصوصا و أنها تمتلك من المقومات ما بها تحقق وجودها. لكن وأخيرا، نقول إن الغير ضرورة وجودية وعوامل الالتقاء والإغناء كثيرة بينه وبين الذات لذلك وجب البحث عنها وإغنائها والتركيز عليها، مقابل تهميش ما من شأنه أن يؤثر على حرية بعضهما البعض.