المحور الثاني: التاريخ وفكرة التقدم
إشكال المحور
هل التاريخ عبارة عن صيرورة خطية للأحداث أم أنه عبارة عن حركة دائرية؟ بصيغة أخرى ما المنطق الذي يتحكم في التاريخ هل هو الاتصال أم الانفصال؟
معالجة الإشكال
أمهم المواقف
موقف "كارل ماركس"
يعتقد "كارل ماركس" أنه فما دام التاريخ مبني على اللامساواة والاستغلال، بسبب احتكار البعض لقوى ووسائل الإنتاج، فأن الصراع الطبقي سيؤدي بالضرورة إلى زوال هذا النمط من الإنتاج، وتعويضه بآخر يكفل المساواة ويضمن الحقوق والامتيازات للجميع. بذلك يكون التاريخ عبارة عن حركة تقدمية متصلة، يتجه خلالها الإنسان نحو غاية حتمية هي تأسيس مجتمع اشتراكي، تصبح فيه الممتلكات والوسائل مشتركة بين الجميع.
موقف "مرلوبونتي"
يرى "مرلوبونتي" أن التاريخ نتاج لوعي إنساني، سواء كان هذا الوعي سياسي أو اقتصادي أو ديني ... وقدره هو التحرك وفق ما يرسمه له الإنسان، ذلك أن من ينتجه يطمح دائما نحو جعل التاريخ والطبيعة خادمين له وليس العكس، لكن في كثير من الحالات ينقلب التاريخ عن الغايات الإنسانية ليسير بدلا من ذلك في اتجاه لا يرضاه ولا يريده، ولذلك لا يصح القول بأن التاريخ نتاج حركة متصلة كما لايصح القول بأنه نسق مغلق يتجه إلى غايات محددة مسبقا. أي أنه لايمكن إفراغ التاريخ من الفاعلية الإنسانية كما لايمكن أن نرفع عنه تأثر الحتميات الخارجية التي تقوده نحو غايات محددة.
موقف "إدوارد هاليت كار"
ينتقد الفيلسوف كل التصورات التي ترى أن التاريخ عبارة عن حركة تقدمية أو تطورية، على اعتبار أن هذين المفهومين مرتبطين بالطبيعة والتطور الوراثي للإنسان، ثم لأن القول بالتقدم أو التطور من شأنه أن يجعل كل رجوع إلى الوراء لا معنى له، وسيسلب منا كل حديث عن السلف، وكل ما علينا هو أن نفتح أعيننا على الأمام منتظرين ما سيجود به التاريخ، ثم إن جعله تقدميا سيطرح سؤال البداية والنهاية وهي أسئلة لا نملك جوابا عنها. إذن التاريخ عنده حركة محكومة بالقطائع والانحرافات.
موقف "كلود ليفي ستراوس"
التاريخ في نظر الأنتروبولوجي الفرنسي ليس حركة متصلة أو منتظمة يتجاوز فيها اللاحق السابق، كما أنه ليس حركة مبنية على القطائع والانفصالات، وإنما على العكس من ذلك، إن التاريخ في جوهره مبني على التراكم والاستمرارية، لأنه لا يمكن بتر لحظة من لحظاته وعدم الاعتراف بها، ثم لأن القول بالتطور والتقدم من شأنه أن يخلق تفاضلا على مستوى لحظات التاريخ، إضافة إلى ذلك يجعل إمكانية الاستفادة من مراحله غير ممكنه، وذلك غير ممكن ما دام أن نشوء فكرة إنما تم بالضرورة على أنقاض أخرى سابقة عليها.
تركيب
كتركيب لما سبق يمكن القول أن حركة التاريخ حركة مزد.جة، فهو مبني على التراكم مادام لا يمكن التنازل عن جزء منه وبتره وعدم الاستفادة منه، وبالتالي حركته حركة اتصالية اللاحق مبني على السابق، غير أن عنصر الوعي لذا الإنسان يمنع كل تكرار ويوثق للإبداع والتحرر مما يجعل التاريخ إبداع ذاتي مستقل لا يشترط فيه الترابط بين حلقاته. وبذلك تكون حركة التاريخ حركة انفصالية.