تلخيص المحور الثالث: العلاقة مع الغير
إشكال المحور:
ما هي طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين الأنا والغير؟ هل هي علاقة محبة وتواصل أم علاقة صراع وعداء؟
معالجة الإشكال:
أهم المواقف
موقف "أرسطو"
يرى "أرسطو" أن العلاقة مع الغير ينبغي أن تقوم على أساس الصداقة، وذلك لأن كل ذات في حاجة ماسة ودائمة للأصدقاء، فمهما يكون للإنسان من مال وجاه وسلطة فإنه لا غنى له عن الأصدقاء، لأنها أولا إحساس فطري، ثم لأن الأصدقاء هم الملاذ الوحيد في حالة الشدة والرخاء والقوة والضعف والغنى والفقر. إن الصداقة عنده إما صداقة منفعة أو متعة أو فضيلة، فالأولى والثانية تزولان بزوال موضوعهما، أما الثانية فدائمة لأنها مبنية على أساس أخلاقي. ثم إن الصداقة أكبر من القوانين، لأن انشغال الأمم بها أكثر من انشغالهم بالتشريعات، إضافة إلى ذلك لو بنيت علاقة الناس على أساس الصداقة ما احتاجوا للعدالة.
موقف "أكست كونت"
في نظر "كونت" لا يمكن اجتثاث الأنانية والتوحش التي غزت العالم الحديث إلا بتجذير أسس "الغيرية" لدى كل ذات، فيجب على الجميع أن يعرف بأن عمق وجود يكمن في كونه "وجودا من أجل الغير"، ففي نظره على الجميع أن يخفوا نزعاتهم الفردية والأنانية ويتجهوا نحو الانخراط في أعمال تعود عليه وعلى الإنسانية بالنفع، لأن المنفعة المادية لا تستحق أن كون سبب الشقاق والنزاع بين الأفراد. إذا يجب تأسيس العلاقة مع الغير على أساس الغيرية لا الأناية.
موقف "هيجل"
في نظر "هيجل"ما دام كل من الذات والغير يسعى لأجل كسب الاعتراف من الطرف الآخر، هذا الاعتراف الذي يمر عبر صراع يجبر أحدهما على التنازل والاستسلام لصالح الآخر، لتنشأ بذلك علاقة السيادة والعبودية، ولأن تاريخ الإنسانية هو تاريخ عنف وصراع، صراع مستمر في الزمان والمكان، كل ذلك يكشف بالملموس أن علاقة الذات بالغير إنما هي علاقة صراع وحرب وليس محبة وصداقة، لأن الوجود التفاعلي للوجود البشري يبرز أشكال مختلفة من الهيمنة والتسلط.
استنتاج:
واضح من كل سبق أن تحديد طبيعة العلاقة بين الذات والغير أمر بالغ الصعوبة، فالذات وإن كانت تتجاذبها نوازع شريرة نحو الهيمنة والسيطرة والإقصاء والحرب، وذلك ما ينتج علاقة الصراع والحرب مع الغير. ففي نفس الوقت تستشعر عجزها عن تحقيق كل ما تحتاجه داخل الوجود، بل فطرتها، وطبيعتها الاجتماعية تدفعها دفعا نحو التواصل وحب الغير. لكن أكيد أن الوجود بكل مكوناته في حاجة لعلاقة تساهم في الحفاظ على عذريته وليس اغتصابه بكل أساليب الحرب والدمار سواء الفردية منها أو الجماعية والتي أصبح الإنسان يتفنن في صنعها اليوم.