المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف
إشكال المحور
لقد تعدد أساليب ووسائل ممارسة الحكم عبر تاريخ الدول والجماعات، مما يجعلنا نتساءل عن، كيف تمارس الدولة سلطتها؟ هل بالقوة والعنف أم بالقانون؟ وهل تستطيع الدولة أن تدبر شؤونها دون االاستعانة بالعنف؟
معالجة الإشكال
أهم المواقف
موقف "ماكس فيبر"
يستحيل قيام أي دولة أو تجمع بشري دون اعتماد العنف وسيلة له، فعلاقة العنف بالدولة علاقة حميمية، فهو يشكل ماهيتها وجوهرها، ولا يمكنها الاستمرار دونه، وذلك واضح من خلال ما تخصصه من موارد ونفقات تفوق بكثير ما تخصصه لمجالات أخرى. فكل دولة تتجه لتقويته والعمل على احتكاره، وعدم السماح لأي كان بممارسته إلا بعد أخذ الإذن منها. إن العنف ليس غريبا على تشكيلة الدولة المعاصرة بل هو من الوسائل الضرورية التي ينبغي تقويتها وتجديدها باستمرار، وذلك لأن الحق والقانون لا يضمنان للدولة الاستمرارية والحفاظ على أمنها ما دامت هناك أطماع مستمرة للسيطرة والتوسع تهددها.
موقف "جاكلين روس"
إن الدولة المعاصرة هي دولة حق وقانون وليست دولة تعنيف وترهيب، لأنها تقوم على مبدأ احترام الشخص الإنساني، وذلك من خلال ممارستها المعقلنة للسلطة، وتشبتها بالقانون، واحترام حرية الأفراد. وكل ذلك إنما تعمل على ترجمته من خلال أبعاد ثلاث وهي القانون والحق وفصل السلط. كما أن عقلنتها تجلت في إشراكها للمواطنين في تدبير الشأن العام واعتبارهم فاعلين ومؤثرين وليس اعتبارهم مجرد وسائل ودميات تفعل بهم ما تشاء. فالسلطة مع الدولة المعاصرة وسيلة لتأمين حقوق الأفراد حرياتهم وليس إطلاقا آلية لإذلالهم وقهرهم.
تركيب
يتبين إذن أن الدولة أمام جدلية، فإما ممارسة العنف بحكم اعتباره وسيلة مفضلة وآلية رئيسية لضمان الاستمرار ومواجهة التحديات التي تتهددها، أو الاعتماد على الحق والقانون من منطلق أن وجودها إنما هو وجود لأجل ضما نأمن وحرية الأفراد. لكن وإن كان ما يبرر ممارسة الدولة للعنف في السابق، فإنه مع الدولة المعاصرة لم يعد ها من خيار سوى التخلص من أشكالها البائدة في التدبير، والاعتماد مقابل ذلك على آليات ووسائل قوامه الحق والقانون وصيانة أمن وحرية الأفراد.