المحور الأول مشروعية الدولة وغاياتها
إشكال المحور
لقد عاش الإنسان لفترة طويلة تحت قيادة قوانين الطبيعة، إلا أنه لما كبرت آماله وطموحاته وجد أن تحسين معيشه والكشف عن قدراته ومؤهلاته لن يتم إلا في جو يسوده الأمن والنظام، لذلك فكر في تأسيس الدولة. فهل الإنسان في حاجة للدولة؟ ومن أين تستد الدولة مشروعية وما غاياتها؟
معالجة الإشكال
أهم المواقف
موقف "باروخ اسبينوزا"
يقول سبينوزا " إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة أو إرهاب الناس أو جعلهم يقعون تحت نير الأخرين، بل تحرير الفرد من الخوف، حيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان، أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير". الدولة إذن في نظر "اسبينوزا" وجدت لغاية تحرير الإنسان، لا لأجل إرهابه وفرض السيطرة عليه، وذلك مقابل التنازل عن جزء من حريته والتخلي عن الأنانية، لضمان العيش المشترك والجماعي، وذلك وفق قوانين وتشريعات يشارك الجميع في وضعها. إذن مشروعية الدولة من المواطنين المتعاقدين وغايتها خدمتهم بضمان حريتهم وأمنهم.
موقف "ماكس فيبر"
ينطلق "فيبر" من أن الدولة إنما وجدت لأجل تدبير الشؤون العامة للأفراد، غير أن نجاحها متوقفا على شكل من أشكال المشروعية لدفع الناس للامتثال والخضوع لأوامرها، وبالنظر إلى تاريخ الإنسانية نجد ثلاث أنماط من المشروعية وهي: المشروعية التقليدية، والمشروعية الكاريزمية، وأخيرا العقلانية. فالأولى تبنى على سلطة القبيلة والعادات والتقاليد(سلطة الشيخ)، أما الثانية فتستند على تلك الصفات الخارقة التي لا يمكن أن يوجد مثيلا لها عند أي شخص آخر (سلطة الأولياء)، أما الأخيرة فتقوم على سلطة العقل، والذي على ضوئه توضع قواعد الحكم التي يمتثل لها الجميع لأنها نتاج إرادتهم.
موقف "هيجل"
على خلاف ما يعتقده فلاسفة التعاقد الاجتماعي من أن غاية الدولة تحقيق الحرية والأمن للأفراد، يرى هيجل أن مشروعية الدولة في ذاتها وغايتها أكبر من مجرد تقيق الحرية والأمن. ولتوضيح ذلك يقيم هيجل تمييزا بين الدولة والمجتمع المدني، فهذا الأخير مهمته التقريب بين الأفراد عن طريق تقليل حدة خلافاتهم. أما الدولة فهي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية والموضوعية أي تمام واكتمال العقل وبلوغه درجة المطلق، لحظة نتنفي فيها النزاعات بين الأفراد ويصبحوا جميعهم مندمجين في علاقة كلية وكونية، وبذلك لم يعد هناك ما يدعوا لتعارضهم وتناقضهم.
موقف "جون لوك"
إن الدولة في نظر "لوك" هي اتحاد لمجموعة من الإرادات وغرضها هو تأمين حياة الإنسان وحفظ ممتلكاته من كل ما يهددها. وقد تشكلت عن طريق تنازل الجميع عما يخص حياته لصالح هيئة أو فرد واحد تم انتخابه من لدن الجميع، فالقوانين داخل الدولة تتمتع بالاستقلالية عن الأفراد ورغباتهم فهي تترجم الإرادة الجماعية. فالدولة في نظره ليست ضرورة ملحة ما دام أن الهمجية والتوحش ليس أصلا في البشر لأنه كان يعيش بشكل فردي وليس جماعي، فالصراع والعنف تولد في الوقت الذي تم فيه القضاء على الحرية الطبيعية وتعويضها بحرية مدنية غير عادلة، بذلك تكون الدولة قد وجدت لتكريس هيمنة الطبقة المسيطرة.