تحليل نص جون لاشوليي
- هوية الشخص -
النص :
<< من
الأكيد أننا ننظر إلى أنفسنا على أننا شخص واحد، وأننا نفس و خم في كل فترات
عمرنا؛ لكن هذه الهوية التي تنسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أن فينا عنصرا
ثابتا، أنا حقيقيا وثابتا ؟
لسجل
أن الوقائع تكذب كليا هذه الفرضية ؛ فالإنسان الذي هو في حالة نوم وليس له أنا، أو على
الأقل ليس له إلا أنا متخيل يتبخر عندما يستيقظ؛ كما أن ضربة واحدة على الرأس،
تكفي لحفر هوة عميقة بين أنا اليوم وأنا البارحة، لأنها تشل ذكرياتنا. ونحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أول وأنا آخر، يتناوبان
فيما بينهما وأحدهما يعرف الآخر (...)؛ أن نقول بأننا نرجع حالاتنا الداخلية إلى
أنانا، معناه أن نقول إننا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصة إلى أنا با أو إلى ذات
حاملة عامة (...)، ليس هناك سوى شيئين يجعلاننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا هما:
دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، وترابط ذكرياتنا؛ ذلك أن لدينا نفس الطريقة الخاصة
في رد الفعل تجاه ما يؤثر علينا، أي نفس العلامة التي تسم رد
فعلنا الأخلاقي و تطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصي؛ (...) إضافة إلى
ذلك، فإن ذكرياتنا تشكل، على الأقل بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة
الأطراف: فنحن نرى أن حالاتنا النفسية الحالية تتولد من حالتنا النفسية السابقة،
وهذه من سابقتها (...)؛ وهكذا يمتد وعينا التذكري في الماضي ويتملكه في الحاضر(...). ليست هويتنا الشخصية إذن، كما كان متداولا من قبل، معطى أوليا أصليا في
شعورنا ؛ بل إنها ليست إلا صدی، مباشرة أو غير مباشر، متواصلا أو متقطعا،
لادراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة. وهكذا فنحن لسنا أمام أعيننا، سوی ظواهر
يتذكر بعضها بعضا>>.
تحليل الموضوع :
- الفهم
تختلف
مواقف الإنسان حسب المناسبات والظروف، وتتعاقب، دون انقطاع، أحوال النفس من أفكار
ورغبات و عواطف متباينة لا يجمع بينها، فيما يظهر لأول وهلة، أي شيء؛ غير أنه بالرغم می اختلاف مواقف الذات وتعدد ظروفها وحالات
شعورها وتغير أحوالها الجسمانية فإنها ذات تمتاز بالوحدة، بناءا على ذلك يتبين أن النص يتأطر ضمن المجال الإشكالي لمجزوءة الوضع البشري، التي تحيل إلى مجموع ما يحصر الذات الإنسانية في محتلف مستويات الوجود، ويتناول مفهوم الشخص، هذا الأخير الذي اختلفت دلالته بشكل كير لكن يمكن إجمالها من الناحية الفلسفية على أنه الذات الواعية والحرة والمسؤولة. وانطلاقا من المفارقة المشار إليها في البداية يمكننا طرح الإشكال التالي: ؛ فعلى أي أساس تقوم الهوية الشخصية، هل على الوحدة
والمطابقة أم على التعدد والاختلاف ؟ وهل الهوية معطى أولي، أم أنها ليست كذلك؟
وما هو الضامن الرئيس لتطابق الذات مع نفسها دائما ؟ وكيف يمكن اعتبار الذاكرة أساس لهوية الشخص؟ وبأي معنى يكون دوام نفس الطبع والمزاج أساسها؟
التحليل
-الأطروحة وشرحها:
يؤكد الفيلسوف على أطروحة مفادها أن ما يجعل الشخص متطابقا مع ذاته هو ترابط ذكرياته واحتفاظه بنفس الطبع أوالمزاج، ويمكن إيعاز ذلك إلى أن كل خلل يلحقهما يخلق فجوة عميقة في وعي الشخص؛ فالاحتفاظ بنفس المزاج يضمن له البقاء حبيس نفس الردود التي تميز جنسه؛ كما أن ترابط الذكريات يحفظه من معضلة التناقض، التي يؤدي الوقوع فيها إلى حصول تناقض في إدراكاته الماضية مقارنة بالحاضرة.
ولأجل توضيح أطروحته انطلق
الفيلسوف من نظرة تكاد تكون سائدة ومتداولة لدى العموم، والتي بموجبها يرى كل شخص
نفسه واحدا رغم ما يعتريه من تبدلات مظهرية وخارجية، موكدا، بشكل غير مباشر، أن
هذا الاعتقاد يفترض بالضرورة وجود معطی ثابت و قار يرتكز عليه الشخص لتأكيد تطابقه
مع ذاته. غير أن ما يتبدی الأول وهلة هو تفنيد الواقع لهذا الزعم؛ فالشخص لا يكون
دائما متطابقا مع نفسه، لأنه يمر بلحظات لا تجعله كذلك؛ حيث يفقد تحت تأثير طوارئ
عدة الصلة بين الواقع والفكر من جهة، وبين الماضي والحاضر من جهة ثانية ؛ مما يعني احتمال
مروره بلحظتين متعارضتين أو أكثر.
غير أن
هذا التفنيد لا ينبغي أن يذهب بنا إلى حد القول بأن الشخص لا يمكن أن يكون متطابقا
مع ذاته مادام أن هناك معطيين اثنين يجعلانه كذلك هما : دوام نفس المزاج أو
الطبع وترابط الذكريات ؛ فالمعطي الأول يبقيه محتفظا برد فعله الأصلي تجاه مؤثرات
العالم، والذي يفترض أن يكون متفقا فيه مع جنسه؛ أما المعطي الثاني، فيحول دون
حصول تباعد على مستوى وعيي الذات الماضي والحاضر ، ذلك أن فقدان الوصل بينهما
يعرضه للوقوع في التناقض.
على
هذا النحو، نخلص إلى أن الهوية ليست معطی سابقا لوجودنا الفعلي، على اعتبار أن ما
يشكلها قد تلحقه عوارض، تحول دون تطابق الذات مع نفسها؛ إضافة إلى كون الذات. بمثابة سلسلة متصلة أو منفصلة من الادراكات الماضية التي تستمر في الحاضر.