المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية
إشكال المحور:
إن نجاح أي دولة متوقف على طبيعة السلطة السياسية فيها، وكيف تسخرها لخدمة الأغراض التي وجدت لأجلها، فما هي طبيعة السلطة السياسية؟ هل هي سلطة مادية أم رمزية، ديموقراطية أم استبدادية؟
معالجة الإشكال
أهم الأطروحات
أطروحة "ماكيافيلي"
يؤكد ماكيافيلي على أن القانون غير كاف لتدبير وتسيير شؤون الدولة بشكل جيد، لذلك على الحاكم أن يجمع بين القوة والقانون في أسلوب واحد، فعليه أن يكون ما كرا كالثعلب وقويا كاالأسد، كما يتعين عليه أن يتعامل بالحيلة والخديعة لضمان استمراره في السلطة والحفاظ على هيبته ومصالحه. وبالتالي يكون من غير الحكمة مثلا البقاء على وعد انقضت صلاحيته. فالسلطة إذن تستمد روحها عند ماكيافيلي من مصدرمادي ورمزي، فالأول يتجل في القوة، والثاني يتمثل في استغلال مجموعة من القنوات من قبيل الفكر والدين والثقافة. وبالجملة إنه لا مجال للأخلاق في ممارسة السلطة، فالغاية تبرر الوسيلة.
أطروحة "ابن خلدون"
إن نجاح الحاكم في تدبير حكمه حسب ابن خلدون رهين بنهج سياسة الاعتدال والوسطية، حيث لا إفراط ولا تفريط على جميع المستويات، فعلى الحاكم أن يكون غير باطش ولا متسلط ولا لينا رفيقا بإفراط، وإنما يحاول التقريب بين الأسلوبين، لأن الإفراط في القوة يؤدي إلى الخوف والخذلان من طرف الرعية، كما أن اللين والرفق ينمي فيهم الكسل والخمول. وينبغي أن يكون كريما لأنه حد وسط بين الشح والتبذير، كما لا ينبغي أن يكون غبيا ولا ذكيا وإنما التوسط بينهما. يتضح إذن أن الرفق والاعتدال هو أساس السلطة السياسة عند ابن خلدون.
أطروحة "مونتسكيو"
يقول مونتسكيو "عندما تجتمع السلطة التشريعية والسلطة التنفيدية في يد واحدة أو هيأة واحدة فإنه لا يعود ثمة مكان للحرية، لأنه بإمكاننا أن نتخوف من قيام الملك أو مجلس النواب بصياغة قوانين استبدادية"، واضح أن الفيلسوف يدافع هنا عن فصل السلط باعتباره أساس كل ممارسة سياسة، وذلك لتجنب التسلط والاستبداد. فالسلطة التشريعية يجب أن تكون منفصلة عن التنفيدية وهذه الأخيرة منفصلة عن القضائية، حيث تتولى كل واحدة منهم مهمة خاصة في استقلال تام عن الأخرى ليتضافر الجميع من أجل غاية واحدة وهي أمن المجتمع وسعادة أفراده. يتبين إذن أن السلطة إذا قامت على فصل السلط كانت ديموقراطية والعكس بالعكس.
تركيب
يمكن أن نجمل كل ما سبق في القول بأن الدولة أولا، لايمكنها الانفصال عن السلطة، فهي جزء جوهري في كل ممارسة سياسية، لكن طبيعة تلك السلطة هو مكن الاختلاف، فإذا كان ماكيافيلي يرى بأن الحاكم مطالب بالجمع بين ما هو مادي وما هو رمزي، فابن خلدون اعتقد ان السياسة إنما تقوم على الاعتدال والرفق، ليرى مونتسكيو وخصوصا مع الدولة الحديثة أنها مطالبة بالعمل على ممارسة السلطة وفق منطق فصل السلط لتحقيق الأمن والسعادة للأفراد والجماعات.