تلخيص المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية
هل الشخص حر أم خاضع لمجموعة من الضرورات والحتميات؟ وإذا كان حرا فهل هي حرية مطلقة أم نسبية؟
معالجة الإشكال:
أهم المواقف
"سغموند فرويد" - الشخص خاضع لحتمية سيكولوجية -
ليس هناك ما يدل على أن الشخص حر في تصرفاته وأفعاله في نظر "فرويد" لأن كل أفعال إنما هي نتاج صراع مرير بين مكونات جهازه النفسي، أي بين الهو الذي لا يطلب سوى الإشباع، والأنا الأعلى الذي يعمل جاهدا من أجل المنع، والأنا الذي يحاول دائما إجاد التوازن. إذن فكل ما يقوم به الشخص إنما هو نتيجة هيمنة أحد الأطراف وبالتالي فلا وجود لسلوك حر لذا الشخص.
"باروخ سبينوزا" - ادعاء الحرية ناتج عن الجهل بالأسباب -
في نظر "اسبينوزا" الشخص ليس حرا على وجه الإطلاق، إذ لو كان حرا لكان بإمكانه توجيه كل أفعاله ونصرفاته كما يشاء، والحال أن الأمر ليس كذلك، فهو مجرد منفذ لأوامر علة خفية، وادعاء الحرية إنما هو وهم ناتج عن الجهل بالأسباب التي تحكم الشخص والعالم على حد سواء. إذن حرية الشخص في نظر سبينوزا لاتنفصل عن الضرورة، فأن يكون الشخص حرا معناه أنه واع ومدرك لوجوده ورغباته كنتيجة طبيعية لأسباب وعلل توجهها وتحكمها.
"جون بول سارتر" - حرية الشخص مطلقة -
إن الحرية في نظر "سارتر" مقوم أساسي من مقومات الذات الإنسانية فدونها يستحيل تحقيق الوجود، وذلك لأن الشخص إنما هو مشروع منفتح ألقي به في هذا العالم ليحقق ذاته في المستقبل، فالشخص ليس نتاج قوالب جاهزة بل هو ما يفعله وينتجه بنفسه. فوجود الشخص سابق عن ماهيته، وبذلك تكون له قدرة على التجاوز والتعالي نحو إمكانات مختلفة. غير أن حرية للشخص لا تعني حرية اتجاه ذاته فقط بل اتجاه الإنسانية جمعاء.
"إمنويل موني" - حرية الشخص نسبية -
إذا كان كل من فرويد واسبينوزا يعتقدان بأن الشخص ليس حرا على الإطلاق وسارتر يعتقد بالحرية المطلقة، فإن "موني" كان متوازنا، فلا يعتقد بالحرية المطلقة ولا بالتقيد المطلق، بل يرى أن حرية الشخص نسبية، لأنها مشروطة بوضع محدد، وذلك لأن الشخص يعيش داخل جماعة ويتفاعل مع وضعيات متعددة ومختلفة مما يجعله مطالبا بتوجيه حريته في اتجاه ما ينسجم مع الوضع الواقعي الذي يوجد فيه.
استنتاج:
واضخ إذن أنه ليس بالسهولة بمكان الحسم في إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية، فهو وإن كان حرا في اعتقاد البعض كسارتر مثلا، فإنه في نظر فرويد واسبينوزا وآخرين خاضع لمجموعة من الضرورات والحتمايات السيكولوجية والطبيعية ...، لكن وبحكم كون الشخص كائن عاقل فإن له قدرة على الانفلات من الضرورة في اتجاه التحرر ولو بشكل نسبي.