تلخيص المحور الثاني: معرفة الغير
إشكال المحور:
هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة أم أنها صعبة؟ وإذا كانت ممكنة فكيف ذلك؟
معالجة الإشكال:
أهم المواقف
تصور"مالبرنش"
يعتقد "مالبرنش" أن معرفة الغير صعبة إن لم نقل مستحيلة، لأن الغير يمتلك من المؤهلات ما بها يخفي حقيقة ذاته، إن الذات لا يمكنها معرفة سوى ما يتعلق بمظهره الخارجي، وبالتالي تكون معرفته قائمة على التخمين والافتراض وذلك بإسقاط إحساساتها ومشاعرها عليه أي عن طريق المماثلة بينها وبينه، وذلك لتجاوز المثبطات التي تواجه معرفته.
تصور"ماكس شيلر"
على خلاف "مالبرنش" يعتقد "شيلر" أن معرفة الغير وإدراكه ممكن، لأنه كل متكامل غير قابل للتقسيم إلى ثنائيات، وليس عبارة عن مستويين متعارضين واحد خارجي وآخر داخلي، فهو ليس عبار عن قطعة لحم أو خشب قابلة للتجزيء. وبالتالي فما يتبدى على الغير من ملامح خارجية تعكس بالضرورة إحساسات داخلية مماثلة لها. إن ذلك هو ما يبعد النظرة المخيفة للغير، التي تنطلق من أن ما يظهر على الغير غير صحيح وإنما هو خطة لتحقيق ما يريده.
تصور"غاستون بيرجي"
يرى "بيرجي" أنه مادام لكل من الذات والغير عالمه الخاص الذي ينغلق فيه، دون أن يتيح لأي كان إمكانية إختراقه، فإن معرفة الذات لبعضها البعض أمر صعب، إضافة إلى ذلك فأي إحساس تكونه أي ذات عن أخرى، ليس إلا إحساسا برانيا لا يمكن أن ينفذ إلى أعماق الذات وجوهرها، ثم لأنه مهما بلغت درجة الالتحام مع الغير لايمكن للذات أن تضع نفسها مكانه فتتحقق بذلك المعرفة اليقينية والمطلقة.
تصور"ميرلوبونتي"
إن نظرة الغير بالنسبة ل"ميرلونتي" لا تحول الذات إلى موضوع كما اعتقد "سارتر"، فالعلاقة القائمة بينهما تتيح إمكانات واسعة لمعرفة بعضهما البعض، ثم لأن كل منهما يمتلك من المؤهلات ما بها يعرف غيره، فالنطق ولو بكلمات قليلة هو دليل على أن كل ذات لا يمكن أن تعيش في عالم منغلق ووحيد لأن حقيقة وجودها تكمن في "البينذاتية" أي وجود -مع- و-من أجل- الأخرين، فبين الذات والغير أمور مشتركة تجعل من وجودهما شيئا واحدا وبالتالي إمكانية معرفة بعضهما البعض.
استنتاج:
لا يسعنا إلا أن نقول انطلاقا مما تقدم، أن معرفة الغير ليس كما كان يعتقد من ذي قبل بأنها لا ترقى إلى مستوى أن تكون إشكالا فلسفيا، بل العكس فالنظرة التركيبية غير الاختزالية التبسيطية تقف على أنه ليس بالسهولة بمكان الحسم في إمكانية المعرفة من عدمها، وذلك جلي من خلال التصورات التي توقفنا عندها، فهي وإن كانت ممكنة من منطلق أن هناك قواسم مشترك بين الذات والغير، فهي مستحيلة، لأنه لكل عالمه الداخلي الخاص.